( لم أجد ما أكتبه لكي أعبر عن فرحتي العارمة...أخترت تلك القصة "قراتها منذ عام تقريبا في كتاب ماذا فعل العيان بالميت " التي من أول وهلة
وانا شعرت بذلك الحلم والخيال الذي يطارد الكاتب والشعب ولكن لا يقدر أحد علي قوله كان ضربا من الجنون ان نفكر في ذهابه ووصلنا الي الاستسلام بالتوريث حتي ان الكاتب اختار السبب المجهول ونحن كشعب انتظرنا ارادة الله وقضاء الاجل ولكن الان غيرنا بأيدينا دعونا الله فاستجاب
الان اقولها الاحلام تصبح واقع
فلنحلم جميعنا ..فاحلامنا ستجاب ان شاء الله)
لسنوات طويلة كان هاجس غيابه المفاجئ يؤرق معارضيه قبل مؤيديه، ويرعب خصومه أكثر من المنتفعين به. كلما كانت "سيرة" احتمال غيابه المفاجئ تأتي يهرب من مسكها الجميع، يصرخ البعض بحدة لإخفاء رائحة النفاق "ربنا مايحرمنا من طلته أبدا"، ويهرب البعض بإبداء قلقه علي البلاد متمتما " حتي الرسول مات وأمر الله لابد يكون.. بس ربنا يستر"، البعض الثالث كان يقول بحماس في وجه من يخاف علي مستقبل البلاد "مصر طول عمرها ولادة" فإذا طلبت منه أن يرشح واحدا من مواليدها للعب دور البديل قال لك وهو يكاد يرزعك قلما من فرط الغيظ " يعني إذا كان قد حكمها أكثر من ربع قرن من لم يكن يحلم بحكمها البتة تأكد أنها لن تمانع في تسليم مقاليدها لشخص آخر لا يحلم بحكمها قط.. صحيح أن مصر جاءها الضغط والسكر بس لا تنس أن قلبها لسه كبير".
لكن أحدا من كل هؤلاء لم يكن يتوقع أن يأتي غيابه المفاجئ علي ذلك النحو الفريد الذي هز الكون كله. منذ اللحظة الأولي التي أذاعت فيها وكالات الأنباء ومحطات التليفزيون ذلك الخبر العاجل وحتي الآن لم يفهم أحد ما حدث. "اختفاء موكب الرئيس في نفق العروبة". كيف ولماذا وأين اختفي وهل سيعود. كل هذا لا يعرفه أحد وربما لن يعرفه أحد في المستقبل القريب.
كل ما يعرفه الناس أن موكب سيادته دخل نفق العروبة في طريقه إلي مجلس الشعب ليلقي خطابه التاريخي الذي سيقرر فيه ما إذا كان سيقبل تولي مسؤولية البلاد ست سنوات أخري، بناء علي طلب المواطنين، بعد لغط استمر سنوات طويلة حول ما إذا كان سيورث مقعده لابنه أم سيسنده لأحد معاونيه أم سيترك ذكري طيبة بإجراء انتخابات رئاسية حرة تحت إشراف القضاء وانصراف الأمن، يقرر فيها الشعب مصيره لأول مرة بعد مرور ستين عاما علي إطلاق أغنية "عرف الشعب طريقه".
للحظات ظن الضباط المسؤولون عن تأمين الموكب والعساكر المديرون ظهورهم باتجاه المخبرين اللاعبين أدوار المواطنين المدلهين بحبه أنهم قد أصيبوا بعمي مؤقت جعل الموكب يفوتهم بعد خروجه من النفق، لكن الصيحات التي انبعثت من أجهزة اللاسلكي تسألهم عن سر تأخر وصول الموكب إليهم جعلتهم يفتحون أعينهم علي اتساعها بحثا عن سر تأخر خروج الموكب من النفق، لكن أعينهم ماشافت إلا النفق خاويا موحشا كئيبا كأنه لم يفتتح بعد.
لأيام تلت شافت أعين عاثري الحظ هؤلاء نجوم الضهر وهم يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب التي لم تقع علي أعتي المعارضين في تاريخ البلاد، كان السؤال مربكا للسائل والمسؤول " الموكب راح فين ياله.. يعني إيه اختفي.. إنت هتستعبط". وبعد أن اعترف جميع هؤلاء في اليوم الخامس من التعذيب بأنهم قاموا بإخفاء الموكب في مكان أمين مستعدين للإرشاد عن مكان المسروقات وإعادة تمثيل الجريمة، اتضح عدم جدوي الاستمرار في تحميلهم المسؤولية وكان لابد أن تواجه البلاد مصيرها المظلم الذي لم يخطر لها علي بال.
كل الاحتمالات قتلت بحثا، حتي تلك التي كانت تستوجب قتل قائلها لفرط تفاهتها مثل احتمال تعرض الموكب لهبوط أرضي بفعل تكرر إصلاحات المحافظة له، مرورا بتكليف مرصد حلوان بدراسة احتمال انجراف الموكب داخل ثقب كوني أسود بحكم تصادف دخوله النفق لحظة تعامد قرص الشمس علي قطاع الأخبار، وصولا إلي تشكيل فريق من أطباء العيون لدراسة احتمال كون الموكب موجوداً بالفعل، بس إحنا اللي مش قادرين نشوفه.
حتي أستاذ التاريخ الشهير الذي اعتقل لأنه قال في قناة فضائية إن ما حدث يذكر باختفاء الحاكم بأمر الله في صحراء المقطم قبل مئات السنين تم إطلاقه لكي يرأس فريقا بحثيا يحقق في ملابسات اختفاء الحاكم بأمر الله لكي يستفاد فريق البحث الجنائي منها، بل ووصل الأمر إلي إصدار قرار من النائب العام بفتح قبر ست الحكم شقيقة الحاكم بأمر الله لدراسة تورطها في قتل أخيها فقط لكي يتم حسم ما إذا كان يمكن لأي حاكم بأمر الله أو بأمر غيره أن يختفي أساسا.
زادت البلبلة عندما تفجرت أرض البلاد في سائر مدنها منتجة سوائل كثيفة لزجة، قال بعض رؤساء تحرير الصحف الحكومية إنها من فرط حزن أرض مصر علي اختفائه المفاجئ، وقال بعض أئمة المساجد إنها دليل علي أن غضب الله قد حل علي العباد وأنه قد حان ظهور إمام الزمان، ليتضح بعد تشكيل لجنة هندسية رفيعة المستوي أن الأمر وراءه تصدع مفاجئ في شبكتي مواسير المياه والصرف الصحي. وخلال ذلك كله لاص أساتذة القانون الدستوري أياما وليالي في محاولة البحث عن مخرج دستوري لسد الفراغ الدستوري الذي حدث، خاصة أن حكاية الاختفاء المفاجئ هذه لم تكن لترد أبدا لدي "أجمح" ترزية الدساتير خيالا.
الذين راهنوا علي أن الشعب سينتج، بعد ما حدث نكتا تميت من الضحك، خاب أملهم جميعا، لأن الشعب منذ اليوم الأول لتلك المفاجأة الكونية كاد يموت من الخوف. علماء الاجتماع السياسي فسروا ذلك بأن النكت كانت تنطلق بعد رحيل حكام قصيري العشرة مع الشعب المؤمن ـ والمؤمن كما نعلم إلف يؤلف ـ علي عكس سيادته الذي لم يعد أولاد بلدنا يتخيلون أيامهم من غيره، ولدوا ونشأوا وشبوا وشابوا وترعرعوا وذبلوا عليه، عندما جاء إليهم لم يكونوا يعرفونه ثم أصبحوا لا يعرفون غيره، تسعة وتسعون وتسعة من عشرة في المائة من أبناء الشعب لم يشهدوا حاكما قبله، كأن الدنيا بدأت به وكأنها لن تنتهي أبدا مادام فيها، طبقات الأرض تبدلت فالتحم بعضها وانفصل بعضها، وبقي هو، أغرق المد البحري جزرا وهدمت الزلازل دولا، وغطت البراكين مدنا وشردت العواصف شعوبا،
وهو كما هو، يبدو كأن التاريخ قد تجمد عنده، فاصطدم الماضي بالحاضر قبل أن يصطدما سويا بالمستقبل ويشكلوا معا شيئا غير مسبوق في تاريخ الكون، وحدة زمنية مصمتة، الحاضر فيها ماض سبق للناس أن عاشوه، والمستقبل فيها يتمني الناس أن يكون بنفس سوء الحاضر لا أكثر سوءا، لم يعد الزمن في أيامه يقاس بالأيام أو الشهور أو حتي بالسنين، أصبح يقاس بالحتت، حتت زمنية قد يبدو لك أنها تختلف عن بعضه،ا لكنك لو أمعنت النظر فيها مليا لاكتشفت أنك قد عشتها قبل ذلك، إن كنت مؤيدا تشعر أنك قد قلت كل ما لديك في حتة ما، وإن كنت معارضا تشعر أنك قد استنفدت كل ما لديك في جميع الحتت، جاب الكل آخره دون أن يبدو أن هناك آخرا يمكن أن يبلغه أحد.
عندما اقتربت البلاد من دخول عام علي اختفاء موكبه المفاجئ في نفق العروبة كان قد تأكد للجميع مجددا أن ربنا مابيعملش حاجة وحشة. ملف التوريث الذي أنهك البلاد والعباد سنين عددا أقفل غصبا عن الجميع، مؤيدين ومعارضين، فحتي أكثر الجائعين للتوريث لم يكن ليجرؤ علي الإفصاح عن رغبته دون أن يعرف مصير الموكب المختفي.
بعد شهر علي الأكثر عاد الناس لممارسة حياتهم الطبيعية بأفضل مما كانوا عليه ولم يعد تفسير لغز الاختفاء يحتل أغلب وقتهم، بل أصبح اللغز الجديد الذي يشغل بال المراقبين هو أن كل ما كان الجميع يحذرون من حدوثه عند غياب الرئيس لم يحدث، فلم تشهد البلاد انفلاتا أمنيا أو فراغ سلطة أو ثورة جياع أو أزمة دستورية أو اختلالا اقتصاديا أو ماء نقيا،
وهو ما فسره علماء الدين بأن اختفاءه المفاجئ أعاد الوازع الديني ليتحكم في أفعال الناس وعندما أرسلت الأمم المتحدة وفدا من كبار خبراء السياسة والاقتصاد والاجتماع السياسي الدوليين لدراسة هذا الوضع الفريد دوليا لمعرفة كيفية التعاطي معه، لم يصل الوفد إلي نتائج قاطعة،
حتي إن رئيس الوفد قبل مغادرته البلاد لم يجد تفسيرا لعدم احتياج الناس إلي من يشغل المنصب الشاغر سوي قوله: "بعد دراسة مستفيضة اتضح لنا أن الجمهورية في السنوات الأخيرة من حكمه لم تعد تحيا، بل أصبحت تعيش وخلاص، ولذلك فهي لا تحتاج إلي رئيس بقدر ما تحتاج إلي معجزة".
علي مقهي شعبي يقولون إن عمره سبعة آلاف سنة قال لاعب طاولة بعد أن حمد الله وأثني عليها " حد يصدق إن البلد تمشي كده بالبركة"، فقال له صاحبه وهو يحاوره .." ومنذ متي مشت بلدنا بغيرها
بقلم بلال فضل ١١/٣/٢٠٠٧